مفهوم جديد في التسويق: التسويق العاطفي.
لطالما كان التسويق عملة أساسية في نجاح أي عمل تجاري، وجزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أي شركة ترغب في تحقيق النجاح والنمو. باستخدام مجموعة من الأدوات والتقنيات، يهدف هذا النشاط بصورة رئيسة لجذب العملاء وزيادة المبيعات استنادا على الفهم العميق لرغباتهم ومتطلباتهم، والقدرة على تحليل السوق من أجل تطوير استراتيجيات فعالة لتلبية احتياجاتهم والمحافظة على وفائهم للعلامة التجارية. وعلى مر السنين، ومع ازدياد المنافسة وتطور السوق التجاري، تطورت التقنيات المستخدمة بشكل كبير ما أدى الى ظهور نهج جديدة على غرار التسويق العاطفي.
مفهوم التسويق العاطفي
يتعرض المستهلك لعدد كبير من الإعلانات والرسائل الترويجية يومياً، يمكن أن تكون مملة وتأثيرها ينتهي بسرعة، ولكن بعضها يترك أثرًا عميقًا في أذهاننا ويحفِّزنا على شراء المنتج. هذا ما يعرف بالتسويق بالمشاعر أو التسويق العاطفي.
باختصار، التسويق العاطفي هو أحد أساليب التسويق الحديثة التي تركز على استخدام العواطف والمشاعر بهدف زيادة نسبة شراء المنتج المعلن عنه، ناهيك عن تعزيز ولاء العملاء من خلال بناء الثقة بين الجمهور والعلامة التجارية. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك شعار “Just Do It” الشهير الذي تستخدمه شركة Nike في إعلاناتها كنوع من التحفيز على التحدي لتحقيق الأهداف، و شعار”My Bold Dad” التي استعملته شركة Toyota لتصوير المشاعر الإيجابية بين أب وابنته خلال رحلتهما، أو شعارات شركة “Coca-Cola” التي غالبا ما يكون محورها الأصدقاء والعائلة والسعادة، وتحث على التفاعل والاستمتاع بالحياة.
ما أهم فوائده؟
بصورة عامة، يهدف هذا النوع من التسويق إلى استغلال العامل النفسي للمستهلك لصالح الشركة والمنتج في جذب جماهير أكبر، إذ تتلخص فوائده في النقاط التالية:
1. جذب انتباه العملاء وتعزيز ولائهم تجاه العلامة التجارية
أحد أهم مفاتيح التسويق العاطفي فهم تطلعات العملاء ورغباتهم العاطفية، واستخدام هذه المعرفة لتصميم رسائل إعلانية تحفزهم على التفاعل مع المنتج أو الخدمة المعروضة وجعلهم يشعرون بالتزام أكبر تجاهه وتمكنهم من الشعور بالارتباط العاطفي ما يعزز احتمالية الشراء لديهم. علاوة على ذلك، يساعد على تعزيز العلاقة بين العملاء والعلامة التجارية عن طريق منحهم الشعور بالانتماء.
2. انطباعات أولى رائعة عن العلامة التجارية
يعطي التسويق العاطفي انطباعات أولى رائعة للعملاء من خلال تحفيزهم على الشراء وإيجاد الأسباب العاطفية التي تجعلهم يشعرون بالإيجابية والانتماء تجاه المنتج أو الخدمة، ما يمكنه التأثير بشكل كبير على الصورة العامة للشركة ويساعد في بناء سمعة طيبة وشهرة إيجابية. وبما أن الانطباعات الأولى تلعب دوراً كبيراً على المدى الطويل في إقناع العملاء بشراء المنتج أو الخدمة، فإن التسويق العاطفي يساعد في تحقيق هذا الهدف بشكل فعال.
3. تحسين تجربة العملاء
يعتبر أيضًا وسيلة فعالة لتحسين تجربة العملاء، حيث يتم توجيه الجهود لإثارة العواطف الإيجابية والرغبات لديهم، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تحسين تجربتهم. يشعر العملاء بالارتياح والسعادة والانتماء والتواصل العاطفي مع المنتج أو الخدمة، مما يجعلهم يشعرون بالرضا والولاء تجاه العلامة التجارية، ويزيد من احتمالية العودة للشراء مرة أخرى. كما يساهم بصورة فعالة في تحسين واجهة المنتج وجعلها أكثر سهولة وانسيابية في سبيل الشعور بالرضا والراحة عند استخدام المنتج أو الخدمة.
4. تحسين تصميم المنتج
يمكن لهذا النوع من التسويق أن يلعب دورًا هامًا في تحسين تصميم المنتج أو الخدمة المعروضة، حيث يتم التركيز على احتياجات العملاء والعواطف والمشاعر التي تحفزهم على الشراء والاستخدام. فمثلا، يمكن للشركات استخدام الألوان والأشكال والرموز المناسبة للتواصل مع مشاعر العملاء وإيجاد رد فعل عاطفي إيجابي. كما يمكن أن يحفز على تصميم منتجات وخدمات جديدة تتناسب مع متطلبات العملاء و تستجيب لاحتياجاتهم العاطفية. علاوة على ذلك، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة معدلات الرضا والولاء لدى العملاء، وبالتالي تحقيق نجاح أكبر للعلامة التجارية.
إستراتيجيات التسويق العاطفي: كيف تنشئ إعلان تسويقي جذاب؟
يتطلب التسويق العاطفي لمنتج معين بطريقة فعالة الجمع بين الإستراتيجيات التالية:
- حدد جمهورك المستهدف
قبل استخدام أي نوع من أنواع التسويق أو التخطيط للحملات التسويقية، ينبغي البدء دائمًا بالتعرف على الجمهور الذي ستوجه إليه حملات الإعلان الخاصة بك. يجب تحديد الشريحة العمرية المستهدفة والجنس والموقع الجغرافي والخلفية الاجتماعية والثقافية والمهنية وغيرها من العوامل التي تؤثر على تفاعل الجمهور مع الإعلانات التسويقية. كما يجب معرفة احتياجات الجمهور وما يبحث عنه والقضايا التي تهمه وما يتوقعه من المنتج أو الخدمة، وذلك لتحديد نقاط القوة والضعف في الحملة التسويقية وتصميمها بشكل يلبي احتياجات الجمهور المستهدف. باختصار، يمكن القول أن معرفة الجمهور المستهدف هي أساس نجاح أي حملة تسويقية، فبتحديد الجمهور ومعرفة احتياجاته ورغباته، يمكن صياغة رسائل تسويقية فعالة تتحدث إلى الجمهور المستهدف وتحقق الأهداف المرجوة.
- اربط المنتج بقصة معينة
يمكن للتسويق العاطفي أن يكون فعالًا إذا تم ربط المنتج بقصة تثير المشاعر لدى الجمهور المستهدف. يمكن أن تتضمن القصة حكاية لشخص يعاني من مشكلة معينة ويجد الحل في المنتج، أو قد يتم تمثيل قصة تعكس قيم المنتج مثل الحب، الصداقة، الأمل، وغيرها. مثال ذلك ما قامت شركة به شركة كوكاكولا في عام 2015 حين أطلقت حملة إعلانية تسويقية تحت عنوان “شارك كوكاكولا” والتي تضمنت استبدال شعار “كوكاكولا” على الزجاجات بأسماء شخصية شائعة. هذه المبادرة سمحت للمستهلكين بتخصيص تجربتهم مع المشروب الغازي والشعور بالاتصال العاطفي الأكبر مع العلامة التجارية. حققت الحملة نجاحًا كبيرًا في العديد من البلدان وأدت إلى زيادة كبيرة في المبيعات. في أستراليا، على سبيل المثال، زادت المبيعات بنسبة 7٪ خلال الستة أشهر التالية لإطلاق الحملة. وهذا يظهر أهمية ربط المنتج بقصة شخصية أو عاطفية للمستهلك.
- استخدم اللغة الجذابة
استخدام اللغة الجذابة هو أحد العناصر الهامة في إنشاء إعلان تسويقي عاطفي جذاب. تتميز اللغة الجذابة بأنها تلتقط انتباه الجمهور وتثير اهتمامهم، وتنقل الرسالة المراد توصيلها بطريقة مثيرة ومؤثرة على المشاعر والعواطف. يكون ذلك باستخدام العبارات الإيجابية والمشجعة، والألفاظ الرنانة والملهمة، والمجاز والاستعارة، والأشعار والأقوال المأثورة، وغيرها من الأساليب التي تجذب الانتباه وتثير الشعور بالانتماء والتواصل العاطفي مع المنتج أو الخدمة المعروضة على غرار “تجربة لا تُنسى” أو “مذهلة” أو “خيالية” لجذب الانتباه وإثارة الحماس لدى العملاء المحتملين. ومن أبرز الأمثلة الجديرة بالذكر إعلان شركة نايكي بعبارة “فقط افعلها”، وإعلان شركة بيبسي بعبارة “جرب الاختلاف”.
- استخدم المؤثرات البصرية المناسبة
استخدام المؤثرات البصرية المناسبة هو عنصر مهم في إنشاء إعلان تشويقي عاطفي جذاب. وتشمل استخدام الألوان المناسبة، والخطوط الجذابة، والرسوم المتحركة، والصور الجميلة والمشاهد المثيرة للاهتمام. فللألوان على سبيل المثال تأثير أقل ما يوصف أنه بالرهيب على المشاعر والعواطف، يشهد عليه علم نفس الألوان. شركة كوكاكولا مثلا تستخدم اللون الأحمر والذي يثير الطاقة والعاطفة والرفاهية ويكون مصحوبا بصور السعادة والتجمعات والاحتفالات، مما يرتبط العلامة باللحظات السعيدة. أما بالنسبة لشركة ستاربكس، فاللون الأخضر هو اللون الأيقوني للعلامة التجارية، ويرتبط بالطبيعة والانتعاش والبيئة الصديقة. الاستعانة بالصور ومقاطع الفيديو أو الموسيقى المناسبة تضفي هي الأخرى تأثيرا مميزا. يمكن استخدام الصور لتوصيل رسالة محددة أو لتسليط الضوء على ميزة معينة للمنتج. على سبيل المثال، إذا كنت تروج لحملة إعلانية للأحذية الرياضية، يمكن استخدام صور لشخص يرتدي الأحذية وهو يمارس الرياضة. كما يمكن استخدام الصور الجمالية لجذب الانتباه وإيصال الرسالة بطريقة فنية وملهمة. يمكن استخدام الموسيقى أيضا لتعزيز الجو العام للحملة الإعلانية، مثل استخدام الموسيقى المشجعة للإيحاء بالحماس والإثارة، ومقاطع الفيديو لتوضيح كيفية استخدام المنتج أو لعرض مزايا المنتج بطريقة مرئية وجذابة.
خاتمة
التسويق العاطفي ليس مجرد استراتيجية تسويقية، بل هو أسلوب حياة وفلسفة توجيهية للعمل والتفاعل مع العملاء. يمكن أن يكون التسويق العاطفي عاملاً مهماً في بناء العلامة التجارية والحفاظ على العملاء الحاليين بل وجذب عملاء جدد بصورة مستمرة عن طريق إنشاء علاقات مستدامة وتعزيز المشاعر الإيجابية، وهذا ما يجعله عنصراً أساسياً في تحقيق النجاح في عالم الأعمال